Skip to main content Skip to footer

دور البنك الدولي وصندوق النقد الدولي في حرب أوكرانيا؟

February 25, 2015
Source
Al Houkoul

تصاعدت حدة الصراع بين الأوكرانيين المؤيدين للاتحاد الأوروبي والأوكرانيين الموالين لروسيا، ووصلت إلى درجات عنيفة أواخر عام 013. وأدى ذلك إلى خروج الرئيس فيكتور يانوكوفيتش من الحكم في شباط / فبراير عام 014، وتأجيج نيران مواجهة كبرى بين الشرق والغرب ليس لها مثيلاً منذ الحرب الباردة.

أقصي يانوكوفيتش من منصبه الرئاسي بسبب رفضه توقيع مشروع اتفاقية الشراكة بين أوكرانيا والاتحاد الأوروبي. وهذا الإقصاء غير الدستوري كان من العوامل الرئيسية التي سَعَّرت الأزمة وفجرت صدامات داخلية دامية. فالإتفاقية أرادت فتح أبواب التجارة ودفع اقتصاد أوكرانيا للإندماج في سوق الكتلة الأوروبية. وقد كانت مربوطة بحصول كييف على قرض جائر من صندوق النقد الدولي بمبلغ 17 مليار دولار.

اختار يانوكوفيتش بديلاً آخر لبلاده، تمثل بحزمة مساعدات مالية قدمتها روسيا بقيمة 15 مليار دولار، يضاف إليها صفقة تجارية تتضمن حسماً بنسبة 33 في المئة على مشتريات أوكرانيا من الغاز الطبيعي الروسي.

عقب قيام حكم أوكراني جديد موالٍ للاتحاد الاوروبي في نهاية شباط / فبراير 014، تغيرت العلاقة بسرعة بين كييف والمؤسسات المالية الدولية. وفي أيار / مايو 014، وقعت أوكرانيا صفقة مالية من صندوق النقد الدولي لا تتعدى قيمتها عدة ملايين الدولارات.

أثناء إعلان رئيس البنك الدولي جيم يونغ كيم عن برنامج قروض لأوكرانيا بقيمة 3.5 مليار دولار يوم 22 أيار / مايو 014، أشاد بسلطة كييف الجديدة لقبولها برنامج التكييف الهيكلي الذي أملاه البنك عليها، والتزامها بتنفيذه، مقابل دعم البنك الدولي لها. وهذا البرنامج النيوليبرالي، كان الرئيس فيكتور يانوكوفيتش قد رفض تطبيقه لدى فوزه بالإنتخابات في شباط 010.

لم يذكر جيم يونغ كيم الشروط النيوليبرالية التي فرضها البنك الدولي لإقراضه المال، وكان من بينها تقليص سلطة الحكومة، عبر إزالة القيود الجمركية التي تعيق المنافسة مع السلع الخارجية، والحد من دور الدولة في الإقتصاد الوطني. لكن اندفاع كلا من البنك الدولي وصندوق النقد الدولي إلى إقراض كييف، كان بمثابة مكافأة للسلطة الجديدة على برنامجها الإجتماعي ـ الإقتصادي المتطابق مع "أجندة" القوى النيوالليبرالية الغربية.

وقد كشفت صحيفة نيويورك تايمز الأميركية يوم 27 أيار / مايو 014، "كيف أن الولاء للغرب لا ينحصر بالجيوبوليتك والديموقراطية" في أوكرانيا. إذ لفتت إلى أن "قوى المصالح الغربية تضغط من أجل هذا التغيير" في النظام السياسي لهذا البلد، وقالت إن "الشركات المتعددة الجنسيات الكبرى في الغرب، أعربت عن اهتمامها بالقطاع الزراعي الأوكراني".

كذلك كشفت الصحيفة الأميركية المذكورة، عن أن أهداف "إصلاح الاقتصاد الأوكراني، وخاصة القطاع الزراعي فيه، مرتبطة بصندوق النقد الدولي، الذي أقرض كييف مبلغاً بقيمة 17 مليار دولار، من أجل تعزيز ثقة المستثمرين الأجانب" بهذا الإقتصاد. 

يقوم محور الصراع الشرقي ـ الغربي الجاري في أوكرانيا على الموارد الطبيعية، بما في ذلك اليورانيوم والمعادن الأخرى، وعلى القضايا الجيوبوليتيكية مثل ضم أوكرانيا إلى منظمة حلف شمال الأطلسي/ ناتو الذي يستهدف روسيا.

لكن القطاع الزراعي الشاسع في أوكرانيا هو بؤرة رهانات المتنافسين. إذ يوجد هنا ثالث أكبر مصدر للذرة، وخامس أكبر مصدر للقمح في العالم. ويعتبر هذا القطاع عاملاً أساسياً في الصراع الجاري في أوكرانيا، التي غالباً ما وصفت بأنها "سلة الغذاء لأوروبا"، بفضل حقولها الخصبة الغنية بالتربة السوداء، التي تتيح إنتاجاً زراعياً من القمح والحبوب عالي الحجم. وهذا العامل الجيوزراعي الهام لا يظهر في الإعلام.

اتسم القطاع الزراعي الأوكراني في العقد الماضي، بالتركيز المتزايد على الإنتاج في إطار الملكيات الزراعية الكبيرة جداً، التي تستخدم نظم الزراعة المكثفة التقانة على نطاق واسع. وارتفع وجود الشركات الأجنبية بسرعة هذا في القطاع في السنوات الأخيرة، كما زاد حجم الحيازات الزراعية التي تستغلها تلك الشركات إلى أكثر من 1.6 مليون هكتار.

تعود أكبر صفقات استغلال الأراضي إلى شركة kernel Holding S.A. المسجلة في لوكسمبورغ، ومساحة حيازتها 405 آلاف هكتار. ويليها شركتين مسجلتين في قبرص، هما : Mriya gro Holding Public limited و Sintal agriculture Plc، اللتان يبلغ مجموع حيازتهما المستغلة 444,8 ألف هكتار. وهناك renaissance Group المسجلة في روسيا، وهي تحوز على 250 ألف هكتار. وهناك أراض زراعية أوكرانية حازتها شركات فرنسية (120 ألف هكتار) ونمساوية (96 ألف هكتار) وسويسرية (80 ألف هكتار) وسويدية (68,7 ألف هكتار) ودانماركية (52,679 ألف هكتار) وصربية 50 ألف هكتار، وسعودية 33 ألف هكتار).

وكانت الصين قد وقعت اتفاقاً مع حكومة يانوكوفيتش في شهر أيلول/ سبتمبر 2013، لاستغلال 3 مليون هكتار من الأراضي الزراعية الرئيسية في شرق أوكرانيا. وليس من الواضح ما إذا كان هذا الاتفاق سوف يمضي إلى التنفيذ مع حلول سلطة أخرى في كييف. وتتحدث تقارير صحفية عن وجود نزاع أوكراني ـ صيني، حالياً، على هذا الإتفاق. وأنه إذا ما تم تنفيذه فإنه سيمنح الصين سيطرة على حوالي 5 المئة من مجموع الأراضي الصالحة للزراعة في أوكرانيا، وهي تعادل مساحة بلجيكا تقريباً.

منذ انتخابه لم يرضخ الرئيس يانوكوفيتش لضغوط المؤسسات المالية الدولية، لكي ينفذ برنامج التكيبف الهيكلي. لكنه قبل ببعض بنوده لـ"إصلاح" جاذبية البلاد للاستثمارات الراسمالية الأجنبية. وبعد رحيل يانوكوفيتش في شباط الماضي، قفزت أوكرانيا 28 درجة على مؤشر التصنيف العالمي لجاذبية الإستثمار الخارجي الخاص بالبنك الدولي. إذ نُقِلتْ من الدرجة 140 في عام 013، إلى الدرجة 112 في عام 014.

يعتبر هذا التصنيف إحدى الوسائل التي يستعملها البنك الدولي لفرض "الإصلاحات" النيوليبرالية على أوكرانيا. أطلق البنك برنامجا لدعم قوى "البيزنس الزراعي"، من خلال مؤسسة التمويل الدولية (IFC). وقامت هذه المؤسسة، وهي السلاح القوي لمصالح القطاع الخاص، بإنشاء شركة استشارية مهمتها تعزيز مناخ الاستثمار الخاص في أوكرانيا، وتحديداً في الصناعات الزراعية.

بناء على "نصائح" IFC حول تحسين بيئة الأعمال الزراعية في أوكرانيا، التزمت حكومة كييف بأن تغير أو تحذف نحو 58 إجراء قانوني ساري المفعول بحلول عام 2015. ويعني ذلك شطب الضوابط القانونية التي تعتمدها الحكومة الأوكرانية في تصنيع واستيراد المواد الغذائية، واستخدام المبيدات الحشرية والمواد والمنكهات المضافة على السلع الغذائية، وذلك بهدف "تجنب التكاليف غير الضرورية لعمل البيزنس" على اراضيها.

تفيد هذه السياسات مصالح الشركات الغربية. فالقوانين الوطنية في أوكرانيا تمنع استخدام البذور والنباتات المعدلة وراثيا في الزراعة، في حين أن اتفاقية الشراكة بين سلطة كييف الجديدة والاتحاد الأوروبي، وتحديداً المادة 404 من الإتفاقية المتعلقة بالزراعة، تضع شرطاً لم يلتفت إليه أحد، وينص بشكل غامض على أن يتعاون كييف وبروكسل على توسيع نطاق استخدام التكنولوجيا الحيوية.

إن تدفق المستثمرين الأجانب على قطاع الزراعة في أوكرانيا، واشتداد التنافس، يفرض سؤالا هاماً عمّا إذا كانت نتائج برنامج البنك الدولي ستعود بالنفع على أوكرانيا ومزارعيها من خلال تأمين حقوقهم في ممتلكاتهم، أما أن هذه النتائج تمهد الطريق أمام الشركات الأجنبية لانتزاع ملكية الأراضي من المواطنين. فما نراه هو أن "الإصلاحات" التي يدفع البنك الدولي، وكذلك صندوق النقد الدولي، حكومة كييف لاعتمادها، ومنها تحرير أسواق البذور والأسمدة، تضع القطاع الزراعي الأوكراني تحت رحمة الإحتكارات الأجنبية لا سيما الإحتكارات الأميركية منها، مثل MONSANTO / "مونسانتو" وDu Pont / "دوبون".

تؤدي قروض البنك الدولي وشروطه "الإصلاحية" إلى تضخم حجم الحيازات الكبرى من الأراضي الزراعية الأوكرانية المملوكة لجهات أجنبية والتي يخصص إنتاجها للصناعات الغذائية. وفي خضم الاضطرابات الحالية، يزيد البنك الدولي وصندوق النقد الدولي من ضغوطهما وشروطهما على حكومة كييف الحالية، لتحسين ظروف نشاط البيزنس والاستثمار الخاص في السوق والإقتصاد في أوكرانيا. واتضح ذلك في شهر مارس عام 014، عندما رحب رئيس الوزراء المؤقت السابق أرنسينيج ياتسينيوك، ببرنامج التكييف الهيكلي الصارم والمؤلم، باعتباره جزءاً من حزمة قروض البنك الدولي البالغة 17 مليار دولار. وزعم ياتسينيوك أنه لا توجد حاجة إلى التفاوض مع البنك بشأن أي شرط من الشروط التي يفرضها.

إن "الإصلاحات" التقشفية التي يفرضها صندوق النقد الدولي تؤثر على السياسات النقدية وسعر الصرف والقطاع المالي والسياسات المالية، وقطاع الطاقة، والحكم، ومناخ الأعمال في أوكرانيا. ومن دون قبول الحكم الأوكراني بهذه الشروط / "الإصلاحات" فلن يصله المزيد من الدعم المالي من الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة.

إذن أفضى تنصيب حكومة موالية للغرب في كييف إلى تسريع تطبيق برنامج التكييف الهيكلي النيوليبرالي، الذي تقودها المؤسسات المالية الدولية. ومع زيادة الاستثمار الأجنبي تتوفر للشركات الأجنبية فرص الاستحواذ على أجزاء شاسعة من الأراضي الزراعية الأوكرانية، وبسط نفوذها على الزراعة في البلاد.

كما أن التكييف الهيكلي سيفرض زيادات كبيرة في أسعار السلع الاستهلاكية الأساسية، وزيادة بنسبة 47 ـ 66 في المئة على ضريبة الدخل الشخصي، وزيادة بنسبة 50 في المئة في فواتير الغاز. ويخشى أن تترك هذه الإجراءات "الإصلاحية" أثراً  اجتماعياً مدمراً، يؤدى إلى انهيار مستوى المعيشة وزيادة كبيرة في الفقر لدى الأوكرانيين.

إن استنفار الدول الغربية لفرض عقوبات على روسيا، إزاء ما تراه تجاوزات في أوكرانيا، وكذلك البرامج والشروط الإجتماعية ـ الإقتصادية والقانونية التي فرضها البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، تبعث على الشك في يكون نتيجتها تحسين مستويات معيشة الأوكرانيين وبناء مستقبل اقتصادي مستقر. إن تكرار تجربة برامج التكييف الهيكلي في أوكرانيا، لن ينتج عنها، حسبما برهنت تجربة دول العالم النامي، سوى توسع السيطرة الأجنبية على الاقتصاد الأوكراني، وانتشار زيادة الفقر والجور بين أبناء الشعب الأوكراني.